إنه/ الثالث والعشرون من شهر سبتمبر ٢٠١٣م
والساعة كانت تشير إلى ٤.٢٥ عصراً وكانت لحظات انتهيت فيها من تغطية
مناسبة لسفارة المملكة بنلدن بمناسبة اليوم الوطني لصالح صحيفة عكاظ
وبمعية صديقي العزيز المبتعث من وزارة الصحة وذهبنا عقب اللقاء إلى
مقهى إيطالي في ركن يواجه متجر هارودز الشهير بشارع النايتس برج بلندن
ودلفنا إلى المقهى واخترنا الجلسات الخارجية للمقهى، لقد كان يوما مرهقاً
إنها الحفلات الرسمية ترهقني طغيتها الصحفية لأن الجمود والرسمية تجتاحها.
جلسنا على طاولة خارج الكوفي ونادينا النادلة وهرولت تجاهنا والتي
تبدو للوهلة الأولى بولندية أو رومانية في منتصف العشرينيات، وبادرتها بالسؤال
عن جنسيتها فقالت: من قرية في شمال ميلانو بإيطاليا وحينها خلعت عليها
عدد من الكلمات الجميلة التي تسعد الأنثى عبر أقطار المعمورة
بأنها تبدو جميلة ونشيطة لأصل لسؤالي المنشود وهو ما الذي أتى بها
لديار الإنجليز وبالتحديد الشمطاء لندن؟، فهزت رأسها مبستمة قائلة: القدر والحظ.
لم يرق لصديقي ماجد أن أحادث فتاة فأشاح بوجهه مردداً: أين قائمة الطلبات؟
ناولته النادلة القائمة: وطلب كأسين من القهوة، واستغليت الموقف لسؤاله:
ما الذي يعجبك في الشمطاء لندن، إنني أكرهها ولا آتي لها إلا لمناسبة لصحيفة عكاظ
إنها بلدة بائسة.
لم يرد صديقي ماجد ببنس شفه، وظل صامتاً، إن صديقي ماجد قد لا يسمع في لندن
إنه غارق حتى الثمالة في عشق الشمطاء.
لكن ما الذي نفعله هؤلاء أصدقاؤنا وعلينا أن نتعايش معهم..!
وفي طاولة مجاورة يجلس رجل شعره أشقر مائل للون الأصفر ويلبس بدلة كحلية
وربطة عنق صفراء ونظارة سوداء وكأنه عادل إمام في فيلم المتسول (ارحموا عزيز قوم)
بيده اليسرى سيجار كوبي فاخر وبيده اليمنى يمسك هاتفه المحمول وكان يرفع
سيجاره لفمه كأنه يدخن لكن سيجاره كان غيرُ مشتعلاً وهو ما أثار تساؤلي.
كان يرمقني وصديقي ماجد بنظراته، نظرت إليه وقلت: مرحباً .. فتحدثنا بالانجليزية
قليلاً وبداخلي كنت أدرك تماماً أنه ليس بأوروبي على الإطلاق، وفي خضم
الحديث، بدأي يتحدث العربية بلهجة لبنانية وردد ضاحكاً أهلاً بكم في لندن.
قلت له أهلاً بك أنت في لندن إننا نعيش بالجوار ولسنا زائرين، وسألته عن جنسيته
قال: أنا دنماركي من أصل لبناني وبدأ يسرد قصته .. وهنا كان الله في عونه:
اعتدل في جلسته ثم اتكأ على يساره ومال إلينا قليلاً وأرسل تنهيدة خفيفة
كأنه يتذكر شيئا مريراً حدث له ثم قال أنا اسمي : (فلان) وقد عملت في الدنمارك كمخرج
وقبل أربع سنوات نقلت إلى لندن وكنت أملك شركة فنية وتم إغلاقها بعد أن قام
أحدهم بشكايتي والآن أعمل سائق أجرة٫ وحالياً كل ما أفكر فيه أن أحج إلى بيت الله
ولدي إمرأة وطفلتين وكلهن متحجبات وأسعى إلى حمايتهن كي يبقين متحجبات.
في هذه النقطة أدركت أنني أمام نصاب محترف قد أطاح بالكثير من العرب
إنهم يستخدمون تعلقنا الشديد بالدين كي يدخلوا من هذا الباب من أجل
استمالتنا لسرقتنا وحتى آخر قطرة، لكن فاته أنه أمام جيل سعودي
من النصابين الجدد .. ..!
واصل صديقنا اللبناني حديثه وحواره معنا وبدأنا نلقي له الطعم فأخبره
صديقي ماجد أنه سيكون في خدمته دام أنه نوى حج بيت الله، وأننا كشعب سعودي
نقوم بأدوارنا تجاه خدمة حجاج بيت الله الحرام، وهنا لمعت في عين صديقنا اللبناني
لمحة انتصار، ولمحتها جيداً فلدي خبرة في التعامل مع قوائم من النصابين حول العالم
لقد كسبت خبرات كبيرة في الإعلام والحياة العامة جعلتني في موقف قوي.
أعاد اللبناني ظهره إلى الكرسي وغير دفة الحديث كان يكفيه أن نعرض عليه خدماتنا
وأن نتحمس له، لقد كان يريد هذا الأمر كي يواصل عمله المحترف، ثم سألني عن علاقتي
بصديقي ماجد، وهنا بدأت أخطر مراحل اللعبة على الإطلاق.
لقد ذُهل مما قلتهُ حول علاقتنا، وهنا بدأ يستشعر بالخطر وكانت مرحلة كسر العظم
وفي المقال القادم سأروي ما الذي حدث في هذه الليلة الماتعة.
.
.
أوائل أكتوبر – مانشستر
٢٠١٣
آخر الردود